لكل بلد معالمه التراثية التي تجعل منه اسماً يُخلّد عبر العصور، بلد بأبنيته وجدرانه المزخرفة والنوافذ الملونة والقناطر العالية، بلد يحمل إرثاً ثقافياً حافلاً، إلا أن مرور الوقت والظروف المناخية والطبيعية وحتى البشرية يمكنها أن تطمس هذه المعالم وتحوّلها إلى رماد.
فلا ننسى انفجار مرفأ بيروت الذي أحدث دماراً هائلاً في المدينة ، بل أتى أيضاً على تاريخ عريق حافظت عليه أبنية تراثية قبل أن تتحول إلى واجهات تخترقها فجوات ضخمة، ولنتعرف إلى قصر سرسق
قصر سرسق
بني عام 1860 في قلب بيروت التاريخية على تل يطل على المرفأ المدمر حاليا، موطن لأعمال فنية رائعة وأثاث من العصر العثماني ورخام ولوحات من إيطاليا، جمعت من قبل 3 أجيال تنتمي إلى عائلة سرسق العريقة.
واستقرت العائلة اليونانية، وهي في الأصل من العاصمة البيزنطية السابقة القسطنطينية التي تسمى الآن إسطنبول، في بيروت عام 1714.
وكان القصر المكون من 3 طوابق معلما بارزا في بيروت، ومع حديقته الفسيحة كان مكانا لعدد لا يحصى من حفلات الزفاف والاستقبال على مر السنين، ونال إعجاب السائحين الذين يزورون متحف سرسق القريب.
هذا القصر بنته عائلة “سرسق البيروتية” الأرستقراطية في القرن الثامن عشر، وصمد في وجه حروب عدة مرت على لبنان، سقطت ألواح زجاجية ملونة أرضاً، وتكسرت أجزاء من أبواب حُفرت عليها كتابات بالأحرف العربية، ولم تبق واجهة زجاجية على حالها.
أما المبنى المجاور، فهو قصر سرسق الشهير الذي بنته العائلة ذاتها في 1912، وحولته لاحقاً إلى متحف ومساحة عرض للفنانين اللبنانيين والأجانب.
وبات القصر اليوم يروي قصة مدينة “منكوبة” بعدما شهد على تاريخ لبنان بأكمله منذ نشأته مع إعلان دولة لبنان الكبير في مطلع سبتمبر (أيلول) 1920، حتى هذه اللحظة، إلى جانب لافتة كُتب عليها “أهلا وسهلاً في متحف سرسق”، رميت ألواح معدنية ملتوية فوق بعضها البعض بعدما أخرجت من المنزل.
صمد القصر البالغ من العمر 160 عاما في وجه حربين عالميتين، وكان شاهدا على سقوط الإمبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي واستقلال لبنان.
وبعد الحرب الأهلية في البلاد التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، احتاج أصحاب قصر سرسق إلى 20 عاما من الترميم الدقيق لإعادته إلى سابق مجده.
وعلى غرار منازل بيروت، ما من لوح زجاجي بقي على حاله، ولم تصمد إلا قطع صغيرة من الزجاج الملون في عشرات النوافذ التي تزيّن واجهات القصر الأبيض، في قلب منطقة الأشرفية في بيروت.