السعودية اليوم_ بقلم سراب غانم:
الشاعرة والقاصة السورية نور الموصلي حائزة على المركز الأول في مسابقة الشارقة للإبداع العربي 2022
بداية، حين تقرأ عنوان”متحف النساء” تدرك فوراً أنك أمام مجموعة تتناول -في مجملها- موضوع المرأة من خلال قضاياها المتعددة ..
وفعلاً الكاتبة تنطلق من هذا المحور لتسلط الأضواء على العادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا الشرقي الذي ينظر للمرأة من زاوية ضيقة جداً نظرة ضيقة وقاصرة لتجعل منه نقطة ارتكاز في طرحها للعديد من الموضوعات بأسلوب خاص يمتاز بالإيجاز و البعد عن المباشرة .
بين الخيال الأدبي والواقع والرمزية، تطوف بنا بمحاور عدة نتيجة غنى وتنوع الموضوعات المطروحة بلغتها السليمة السهلة وعمقها الدلالي، ونسيجها السردي الأقرب إلى الواقع
لتنتهي بنا بالقفلات المفاجئة الرمزية حيث تجعل القارئ متسمراً في مكانه من الذهول عند نهاية كل نص قصصي
ونرى بوضوح العتبة النصية كيف تحمل امتداد الزمكان، في زمن مكثف، مكانها محدود، إضافة إلى حجمها اللغوي الكثيف و إيقاعها السريع والذي بدوره يعطي حركة قوية التأثير وبعيدة عن الملل ومعبرة أبلغ تعبير .
نلاحظ أن الكاتبة في أغلب نصوصها تعمَّدت أن تكون هي الراوي، فاستخدمت ضمير المتكلم ليشعر المتلقي وهو يقرأ أنه بطل القصة وأنه معني بكل حدث من أحداثها،
فهذه العلاقة هي المكون الأساسي لتحقيق التواصل المباشر مع القارئ .
وفي هذا السياق، تضعنا أمام موضوعات مختلفة، وتتحدث بها بألسنة متعددة :
– لسان المرأة المضطهدة المجردة من أبسط حقوقها بدءاً من محيطها الصغير “المنزل والأسرة” وانتهاء بمحيطها العام “المجتمع في الخارج”،
محاولة أن تجعل لهذا النموذج من النساء لساناً متمرداً ينطق بأقل حقوقها ويتجرد من سلطة مجتمع متخلف لايراها إلا كأي تحفة مركونة في زاوية من زوايا هذا العالم وكأنها بلا روح، علَّها بهذا الصوت تخلع عباءة الجهل المحيطة بها من كل جانب،
إلّا أن كل تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل لتدفع بذلك ثمناً باهظاً بسبب تمردها على عالم يرى خروج المرأة عن طور العادات البالية هو خروج عن المألوف،
فترى نفسها تحولت إلى دمية مقلوبة الوجه، معلقة على الجدران كتحفة أثرية
وتارة أخرى كالماريونيت، التي تتشابك خيوطها بكافة أجزاء جسدها وكأن أيادٍ خفية تتحكم بحركتها .
ومرة كيف تْخلق بجناحين فتسعى لإخفائهما كعارٍ كي لايراها والدها .
كما كان لها النصيب الأقل من الحب، لذلك نراها في بعض القصص تقع ضحية صدق مشاعرها حين تكون شفافة وواضحة، ثم يأتي العقل الذكوري ليشوه كل هذا الصدق بخياناته و نظرته لها على أنها ليست أكثر من إلهام لشاعر يحتاج حضورها لإتمام قصيدته، وما إن يستحوذ عليها داخل قفصه حتى يرمي بها خارج تلك القصائد وخارج الحب.
فضلاً عن حقها في الميراث الذي أيضاً يُسلب من بين أيديها كباقي الحقوق .
– لسان الكاتب، والراوي، والمشقات التي يسلكها ليتم نصه
لسان فتى يعشق الرسم فيعيش شغفه وهماً
لسان رجل كوَّن حباً وعائلة داخل المسرح فالحياة في الخارج صعبة ولايستطيع من خلالها تغيير أدواره كما يفعل هو الممثل على الخشبة المسرح
تنطق نور بلسان تلك الشخصيات الذكورية لتصور لنا معاناتهم التي تضيف بها بعداً اجتماعياً وتصويراً لدلالات إنسانية مؤلمة وكأن الرجل أيضاً هو ضحية في زواية من زوايا هذه الحياة .
تحتوي المجموعة على بعض الإشارات السياسية وما آلت إليه الحرب من فقر و موت وهجر للأماكن التي غادرناها قسراً بحثاً عن أماكن أخرى سنكون فيها أيضاً ضحايا .
تطرح القاصة تلك المعاناة بأسلوب مجازي غير مباشر وإيحاء مكثف معتمدة في هذا الأسلوب على سمة التلميح والاقتضاب لتصل لنا الأفكار بدهشة أكبر.
– لسان الجمادات والحيوانات وأنسنتها وإسقاط الأحداث على الواقع الاجتماعي بمايحمله من مرادفات لمشاعر إنسانية وأبعاد حياتية بشكل رمزي أيضاً ومجازات استعارية تقصدته الكاتبة لشد القارئ النهم ودفعه إلى تشغيل مخيلته وذهنه لملء الفراغات وتأويل مايمكن تأويله،
فمرة نراها قطة خائفة مختبئة داخل صندوق الأريكة، ومرة على هيئة تماثيل داخل معرض و لكل تمثال قصة حياة مختلفة، ومرة لهيب من النار داخل الموقد،
هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على ذكاء نور وقدرتها على جذب القارئ إليها من قلبه وعقله بأسلوبها العبقري المتفرد.
لتختتم لنا في النهاية الرسالة التي أرادت إيصالها عن طريق مجموعة من القصص تمثل فانتازيا مملوءة بالغرائب وفيها قدر كبير من الإدهاش والتشويق بشخصياتها الغرائبية في أغلب الأحيان ضمن أحداث متينة الحبك ومفتوحة على تأويلات فيها من الغموض الشفيف:
” أن فعل الكتابة خاصة بالنسبة للمرأة ماهي إلا صرخة “لا” مكبوتة، قد انفجرت معترضة في وجه هذا العالم القبيح الظالم الذي سعى بنظرته الضيقة تلك لإخفاء صوتها بشتى الوسائل، فأثبتت له بطريقتها الخاصة أن صوت الحق لايموت طالما أن هناك حبرٌ وورق.