الشاعر العراقي- عامر الطيب:
عبر الشوراع المتباعدة كالأيدي،
توجب علينا المشي بإيجاز ،
اختصار طريق طويل
بواسطة خطوة،
عبور إشارة دون تلفت،
قد نكون في الليل أو في الغروب الدامع
إلا أن ما قمنا بصنعه
كان يشبه أننا نؤلف قصيدة من طراز ما.
ولأن القصيدة ذات أثر و بيتنا على بعد أمتار،
توجبَ علينا أن نتخطى العتبة كي ننساها!
مئة يوم فيما بيننا
ظهيرات و أمسيات و ليال
و بجوار كل يوم يوم آخر.
إذ يتسبب غيابك
بألم مفاصل
لتلك السويعات التي يعرف الجميع
أنها تمر بالوتيرة نفسها .
أقول الألم وأنا أعني
أن الثواني تتعثر فجأة
بينما الدقائق تعدو !
لكل حبٍ عابر رأس عجل
و رقبة ديك
و قرصة حشرة منهكة القوى .
بعد ذلك لكل حب أبدي عاهة
ينبغي علي أن أحدثك عنها حينما
تبدين استعداداً
لتصديق كل شيء من الأشياء على حدة .
يعني هذا
إننا أحببنا بعضنا في الغابة
كالصم ،
تبادلنا القصائد فيما بيننا كالبكم
و تلمسنا كلماتها الشفافة كالمكفوفين!
أستشعر بأن يداً
تصب لي القهوة ذات صباح بارد
تدني أصابعها
من فتحات النافذة.
يد لا كتلة ولا وزن لها
وحين يشرع النور بالتسلل إلى مقامي
مثل نهر
أود أن أحجب بها الضوء
الذي يمنعني من رؤية الشارع
فأشعر أنها اختفت !
مثل جرةٍ مثقوبةٍ سأقول كلَّ شيءٍ
إلى أن يبدو
أنه قد انتهى ،
لا أود أن أشبه نفسي
بشيءٍ خشن و لا دراية له بما يفعله
لكن من أجل استبدال ما هو ضال بما هو حي دائماً
سأقول أنا و أنت
نبكي مثل نهرين صغيرين
يتموجان بالطريقة التي يخفيان بها
أشياءً في الداخل!
يا مسائي المعتاد الآن حق لي
القول بأن كل شيء قد حدث
في الماضي .
أحببتُ و نلتُ نصف ما أبتغي،
فتحتُ يدي للمطر الناعم و بكيتُ،
سافرتُ و منحتُ الوردة لونها الغريب،
قلتُ ما يدل على أنني أحلم
و ما يدل على أنني أجهد الكلمة التي أقولها .
كل شيء كان قد حدث في الماضي
لكن الزمن الذي أحببتك به و لئلا أتذكره
يحدثُ الآن!
في البدء اعتبرتُ نفسي عابراً،
ثم مهاجراً
في ليال يتم استعارة كل شيء بها من الماضي
ثم اعتبرتُ نفسي
مخدوشاً في بقعة من جسدي.
بقعة صغيرة
يسميها التلاميذ البرتقالة
التي تنتمي إلى عالم الظلام
و يسميها آخرون حبة القمح
التي تدع الطير مسالماً
و منقضاً على السماء بأكملها في الآن نفسه .
يعني الحب فيما يعنيه
استبدال اسم القلب باسم آخر!
كنتم على علم أن قصائدي لا نهاية لها
أن الكلمات التي نسجتها
من لمعان كل شيء بهت على حين غرة،
أن المضي إلى طريق
يجعل الشعر ألقاً وسط مقبرة
ميتة من الأزهار .
أقول و ليفهم الجميع اني لا أقصد
إبهارهم
بما أن الأبواب لا تُفتح بسلاسة
يتوجب على المرء
أن يصير صانع مفاتيح صدئة
ليظل شاعراً !
منحتني الآلهة كل شيء،
المجد و الرفعة و إطالة النظر
في توديع ما لا تنتظر عودته.
إبقاء كل شيء
على المحك و معرفة
أي المدن أفضل للمرء إن قرر هجرة
حقله و يديه .
لكنني و أنا أهمُّ باهدائك ما تستأهلينه ،
خالفتُ الرهان
و قررتُ أن أجعلك ملكةً
غير مستطاعة في كل المرات ،
أن أمنحك ما لم تهبني إياه الآلهة فقط!
♤
تظل أبداً تحبُّ
كمن يكدح في سوق شعبية
من المساء هذا إلى مساء لا نعرف تأريخه
و لنقل إلى مساء من العام
خمسمائة في قرن قادم
و هو ضرب من المبالغة لا شك
لأن المشهد يقتضي أن نقول:
وحدة قياس المجهول أنك تعمل بدأبٍ،
وحدة قياس الحب
أنك مطرود من العمل !
♤
قصتي محبوكة بإحكام،
لا ينزل أحد من الحافلة
إلا بأمري، ولا يموت بطل إلا لأنني أردتُ
له ذلك.
لا تعلو همهمة
ولا يتبدد نور إلا لأني قررتُ
أن أدعَ كل شيء يختار نهايته .
الملك أو الروائي كنتُ
فإنني أنظر للكلمة و هي تشق طريقها كشجرة ،
أكتبها وهي تتدبر ظلاً !
♤
آه من كلمات قلتها لك
أيام ما كنت منشغلةً بإشعال شمعة
صغيرة بين مصراعي النافذة.
آه من حبٍ أبديّ اللون
كنهر هراقليطس ،
آه من ليلة باردة حتى النخاع
حلمنا أن نغني بها كما تترقرق البحيرات ،
أن ننزع من الأزهار
لون ظلالها فحسب،
أن نمنح القمر الدافئ شكلَ النسيان!
♤
أتحسسُ ملمس الصور الشعرية
في القصائد
التي أقرأها، لكنني لا أشاطرك الرأي
بالعبث و الموت
و إفراغ الشعر من دمه
البارد.
أقول :
لا شفاء من الأمل
لا شفاء من نسيان كل عثرة وأنا قادم
بمرارة كالملك أوديب،
لا شفاء من أننا مولودان
في مرفأ ،
لا شفاء من أن حبنا موجود
داخل كل نملة ندوسها سهواً،
كل سيجارة نطفئها جراء الضجر ،
و داخل كل حجرة نقذفها باتجاه الأسماك
فنخطئ الهدف!
♤
تعانق العاشقان بسحرية داخل دائرة ،
كان الطقس مشمساً
و الأغنية تدوي غير مرة في البيت الجانبي.
هما لا يدركان
أن جسديهما يمتدان كداليتين،
يصيران الأثقل
بينما يداهما الأخف،
الحرية لها ألم النجوم دائما:
هو لا يجرؤ بسحبها نحوه
وهي لا تجرؤ بإبقائه على الخط!