لم يخلُ التأثير السلبي لجائحة كوفيد-19 على قطاع النقل الجوي من إيجابيات، إذ أدى إلى التعجيل في البحوث الرامية إلى جعل الطائرة فقاعة صحية، وهو ما أظهرته الوسائل الجديدة التي باتت تُستَخدَم لتعقيم الطائرات، كالأشعة ما فوق البنفسجية، ورش سحب المعقّمات، والتعقيم الحراري والطلاءات الخاصة.
وسارعت كل من شركتي “بوينغ” و”إيرباص” إلى استحداث خلية أزمة لمواجهة انهيار حركة السفر جواً، والمخاوف من تأثر المسافرين على المدى الطويل لجهة تراجع رغبتهم في السفر خشية التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد.
ويتمثل الهدف الأهم لعملاقي صناعة الطائرات في استعادة “ثقة” المسافرين، في وقت عودة أعداد الإصابات إلى الارتفاع بثقلها على القطاع الذي يتوقع أن تبلغ حركة الطيران في 2020 نصف ما كانت عليه في العام 2019.
وعززت معظم شركات الطيران من جهتها عمليات تنظيف طائرتها وتعقيمها بعد الرحلات، ويجري بعضها عمليات تعقيم دورية من خلال رشّ مبيد للفيروسات يبقى مفعوله قائماً أياماً عدة.
وأكد الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” أن خطر الإصابة بالفيروس في الطائرات ضعيف جداً.
وكشفت شركة “بوينغ” التي أطلقت مبادرة “كونفيدنت ترافل إينيشاتيف” (المبادرة من أجل ثقة المسافرين) عن نظام محمول يعمل بالأشعة ما فوق البنفسجية، يتيح في ربع ساعة نظرياً، أي بين رحلتين، تعقيم مقصورة الركاب وقمرة القيادة والمراحيض والأقسام المطبخية. وتأمل “بوينغ” أن تبدأ بتسويق هذا النظام في نهاية السنة الجارية.
وقال المسؤول عن برنامج الأشعة ما فوق البنفسجية في “بوينغ” كيفن كالاهان إن هذا النظام يشكل حلاً “لمشكلة الوقت” المتمثلة في تأمين سرعة تبديل الرحلات في الطائرة.
وإضافة إلى هذه التقنية، تنكبّ شركتا صناعة الطائرات على درس وسائل تعقيم أخرى، بينها رش “غيمة” من المواد الكيميائية، واستخدام أنواع خاصة من الطلاء، واستعمال ماء الأوكسيجين على شكل غاز، والتعقيم الحراري من خلال رفع درجة حرارة مقصورة الركاب إلى 60 درجة، وكذلك تأيّن الهواء.
وكما أدت اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر إلى تحسين نظم الأمن في قطاع الطيران، قد تؤدي أزمة كوفيد-19 الدور المحفّز نفسه على المستوى الصحي.
وحتى لو كانت معايير السلامة الصحية في الطائرات “عالية جداً” أصلاً، قد تؤدي هذه الأزمة إلى نشوء معايير جديدة، على ما أوضح نائب الرئيس التنفيذي لقسم الهندسة في شركة “إيرباص” جان بريس دومون لوكالة فرانس برس.
ويجري اختبار تقنيات عدة في الوقت نفسه لأن أي تقنية ينبغي أن تراعي عدداً من الشروط، بينها ألا تشكّل خطراً على أفراد الطاقم أو على الركاب، وأن تكون مقبولة في كل دول العالم، وأن يكون الوقت اللازم لاستخدامها ممكناً بين رحلتين، وألا تفسد المساحات وتؤدي إلى تدهور وضعها.
فتقنية التعقيم الحراري مثلاً التي تحظى بتأييد “إيرباص” يشوبها عيب الوقت الطويل الذي تستلزمه.
ورأى برونو فارجون الذي يدير مبادرة “كيب تراست إن إير ترافل” (ثقوا بالنقل الجوي) لدى “إيرباص” أن “ثمة بعداً آخر هو البعد النفسي”.
وقال فارجون لوكالة فرانس برس “”لا شك في أن الراكب سيكون مطمئناً أكثر إذا تولى بنفسه مسح الأشياء التي سيلمسها في الطائرة بمحرمة معقمة”.
وكان وباءا “سارس” (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) عامي 2002-2003 و”إيبولا” ساهما سابقاً في تعزيز قواعد السلامة الصحية، إذ تم مثلاً بعد “سارس” تحسين أنظمة التهوئة في مقصورات الركاب، بحيث يُجَدّدُ الهواء فيها كل دقيقتين إلى ثلاث دقائق.
ودفع تفشّي حشرة بق الفراش أخيراً إلى اعتماد آلية جديدة للتعقيم في العمق داخل المقصورات، لكنّ هذه الآلية ثقيلة كونها تتطلب إزالة بعض العناصر.
وثمة طريقة أخرى لإزالة الفيروسات أو الجراثيم من المقصورات، تتمثل في استخدام أنواع خاصة من الطلاء تقضي عليها.
كذلك يشكّل مفهوم “بلا احتكاك” حلاً آخر لوقف انتقال الفيروس. فهذا المفهوم المستخدم أصلاً في توزيع المياه والصابون، آخذ في الانتشار في المطارات لإجراءات التسجيل والصعود إلى الطائرة.
وقال دومون “نبحث عن الطريقة الأفضل لأن كل التقنيات لها آثار جانبية (…) وكل وسيلة لها حسناتها وسيئاتها”.