تنظيم درجات الحرارة في الجسم من العمليات الحيوية والخطيرة، التي تحتاج إلى تكاتف الكثير من أجزاء الجسم لتنظيمها.
لذا، إن ارتفاع درجة حرارة الجسم، هو وسيلته الدفاعية للتخلص من العدوى، والاستجابة للالتهابات، لعدم تهيئة الجسم للمزيد من وجود الجراثيم والتخلص منها في أسرع وقت، وكلما كان التعامل مع السبب أسرع، كانت الأضرار الواقعة أقل.
إصابة الجسم بالحرارة هي رد فعل من الجهاز المناعي، لكي يجري التغلب على الخطر الموجود في الجسد، فحدوث التهابات أو عدوى يحفز الجسم على إفراز بعض المكونات التي تساعد على انتصاره، وتخلصه من الخطر المحدق به، هذا ما لم يكن ارتفاع الحرارة ناتجاً عمّا يُسمى “ضربة الشمس”، التي تسبب مضاعفات في المخ قد تستمر لفترات طويلة أو دائمة.
ما طريقة الجسم في تنظيم درجة حرارته؟
كلمة السر، هنا، هي الغدة النخامية، وهي عبارة عن جزء صغير يقع في قاع المخ، حيث تعتبر ثيرموستات أو منظم درجة حرارة الجسم. فعند انخفاض درجة حرارة أجسامنا، تعمل تلك الغدة على محاولة إنتاج مزيد من الطاقة، لمواكبة الجسم لدرجة الحرارة الطبيعية 36 – 37.5 سيلسيوس، أما عند ارتفاعها، فتعمل على إفراز مزيد من العرق لتبريد الجسم، ما يجعلنا نشعر بالبرودة في أجسامنا أثناء ارتفاع درجة الحرارة.
الغدة النخامية تعتبر كلمة السر هنا، لكنها لا تعمل وحدها، بل توجد مستقبلات عصبية في جميع أنحاء الجسم عن طريق الجهاز العصبي الودي، والجلد هو العامل الخارجي الذي يساهم بشكل مؤثر في تنظيم درجات الحرارة، حيث تتقلب درجة حرارته مع درجة حرارة البيئة المحيطة، وتنظيم الوضع الداخلي طبقاً لذلك.
هل تسبب درجة الحرارة المرتفعة أضراراً للمخ؟
قد يبدو الفيصل، هنا، السبب في ارتفاع درجة الحرارة، فإذا كان الارتفاع ناتجاً عن التهاب أو عدوى، فارتفاع درجة الحرارة لن يؤدي إلى ضرر دائم في المخ في معظم من الحالات، لكن هناك بعض المضاعفات، مثل: ضعف القدرة على التعرف إلى الأشياء المحيطة، الهياج، النوبات، عدم الثبات، اضطراب في الوعي، والخمول الذي قد يصل إلى الغيبوبة، وقد يستمر لفترات قليلة تصل إلى ساعات، وتختفي بعد ذلك مع اختفاء درجات الحرارة المرتفعة، وأهم تلك المضاعفات:
– الهلوسة وارتفاع درجات الحرارة:
الهلوسة هي العرض الأشهر لتأثير ارتفاع درجات الحرارة في المخ، ويمكن أن تكون بصرية أو سمعية، حيث يرى المصاب أو يسمع أشياء غير موجودة، وعلى الرغم من أن الهلوسة قد تبدو مخيفة، فإنها لا تمثل خطراً كبيراً على الحياة، أو عَرَضاً دائماً مادام قد جرى التوجه للمساعدة الطبية، وعلاج السبب الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الجسم.
– الخلل الذهني واضطراب الوعي:
يتمثل بعدم القدرة على الانتباه أو حل المشكلات والفهم والتفكير والتذكر، ويرجّح أن تلك المشكلة تحدث عندما يفقد الجسم ما يزيد على كيلوغرام واحد، ما يرجح أن سبب ذلك الخلل الذهني هو الجفاف الذي يحدث، وبتجنب الجفاف، يتجنب المريض تلك المشكلة بنسبة كبيرة جداً، لكن تلك المضاعفات تختفي مع الوقت، وتبقى بعض التأثيرات الدائمة التي عادة تكون نتيجة التعرض لضربة شمس.
وتكون هذه التأثيرات، مثل: النزف، تورم أنسجة المخ، نقص التروية الشريانية للمخ، تغيرات ضمورية تؤثر في شكل المخ التشريحي، وأصعب تلك المضاعفات حدوث نزف، ما قد يؤدي إلى الوفاة.
وليس هناك سبب واحد يرجِّح حدوث الضرر الواقع على المخ، لكن يمكن القول بأنّ ذلك ناتج عن أسباب عدة، هي:
– تأثيرات في أنسجة المخ: نقص التروية الدماغية، وحدوث التهابات، وتورم في أنسجة المخ، وتلف في الأوعية الدموية الدماغية.
– تأثيرات في الجسم بشكل عام: تغيّرات في تدفق الدم تجاه المخ، تسمم في الجسم
تأثيرات في خلايا المخ: تلف غشاء الخلايا، والميتكوندريا، والحمض النووي.
التشنجات الحرارية والأطفال
يتساءل البعض: هل حدوث تشنجات حرارية لطفلي نتيجة عدوى بكتيرية أو فيروسية يسبب ضرراً دائماً لمخه؟ الإجابة هي (لا)، حيث إن نحو 96% من الأطفال الذين يعانون ارتفاع درجة الحرارة لا يصابون بالتشنجات الحرارية، بينما الـ4%، الذين يصابون بها، ولا تستمر تلك التشنجات لفترة تصل إلى 5 دقائق، وإصابتهم لا تؤدي إلى خلل دائم في المخ، أو احتمالية حدوث صرع، أو مشاكل في المخ مستمرة؛ فهذا أمر غير محتمل، ولا علاقة له بالتشنجات، وعليك طلب المساعدة الطبية في الحال.
أما إذا أصيب طفلك بالهلوسة نتيجة ارتفاع درجة الحرارة؛ فكل ما عليك فعله هو الحفاظ على هدوئك وهدوء طفلك وطمأنته. حاولي أن تجعلي طفلك يشرب الكثير من السوائل، وابدئي إعطاء طفلك الباراسيتامول أو الإيبوبروفين، واطلبي المساعدة الطبية من خلال التواصل مع طبيبه، أو التوجه إلى المستشفى.