عصب نيوز- غانم محمد
كرة القدم لا تُبنى بالأمنيات أو بالدعوات، والفرق الكبيرة في عالم الساحرة المستديرة تجد نفسها بين الحين والآخر أمام أزمات لا تعرف الخروج منها، على الرغم مما تمتلكه من قدرات مالية وفنية وإدارية، فما بالك وأنت تتحدث عن منتخب يتواجد معظم لاعبيه خارج الحدود، وعن جهاز فني لم تسمح له الظروف بالتعرّف على وجوه وأسماء اللاعبين، وعن جمهور لا يعرف سقفاً لأحلامه (العاطفية) جداً، أو عن اتحاد كرة قدم هاوٍ، أو إعلام رياضي (متربّص)، إضافة إلى نحو مليون مدرب يسبحون في الفضاء الأزرق، ويريدون المدرب أن يكون (بصّارة)، ويعرف ماذا يريدون وعليه أن يفعل ذلك دون زيادة أو نقصان!
بعد يومين فقط من توقيع التونسي نبيل معلول عقد تدريب المنتخب السوري في 12 آذار الماضي أعلنت سورية وقف النشاط الرياضي، فغادر (معلول) الأراضي السورية، ولم تسمح له الظروف بالعودة إلا أمس الجمعة، وبعد معاناة وموافقات، حطّ في بيروت ومنها براً إلى دمشق…
بقيت جولة واحدة من الدوري السوري الممتاز، وسيكون بإمكان نبيل معلول مشاهدة إحدى مبارياتها، لأنها تقام بنفس التوقيت، وهناك أيضاً نصف نهائي الكأس والنهائي، وله أن يقنع نفسه بأن هذا القدر من المباريات كافٍ للحكم على اللاعبين المحليين الذين سيتواجدون معه بالمنتخب، على اعتبار أن المحترفين خارج الدوري السوري معروفون لديه بشكل أكثر وضوحاَ.
تحديات كثيرة تنتظر نبيل معلول، ربما أكثرها لم يخطر في باله، وربما بعضها الآخر لم يقدّر حجمها بشكل صحيح، ولكنها هي جزيئات كرة القدم في كل بلد، وتختلف فقط درجة حدتها..
قبل شهر ونيّف..
في الثالث من أيلول القادم سيظهر نسور قاسيون لأول مرة بقيادة فنية من التونسي نبيل معلول، عندما يطير المنتخب السوري إلى طهران للقاء منتخب إيران ودياً، وفي طريق عودته سيعّرج على أربيل، حيث يلاقي فيها المنتخب العراقي ودياً أيضاً في الثامن من الشهر ذاته، وبـ (العرف الفني) فهما محطتان تجريبيتان، الهدف منهما التعرّف على أحوال المنتخب وقدرات لاعبيه، وقدرتهم على تلّقي أفكار المدرب الجديد، ومدى تعافيهم وجاهزيتهم البدنية والنفسية، خاصة وأن معظم الدوريات التي يتواجد بها محترفو المنتخب لم تقلع بعد، على عكس المتواجدين في الدوري المحلي، لكن كل هذه التفاصيل قد لا تكون مهمة بالنسبة للقسم الأكبر من الجمهور السوري، وخاصة أولئك المقتنعين بـ (المدرب المحلي) أو غير المقتنعين بـ (نبيل معلول) تحديداً، وسيجد التونسي من يعدّ له أنفاسه، ويحاسبه، ويحاسب المنتخب على رميات التماس وعلى أدق التفاصيل…
ربما لا يشغل ما بقي من التصفيات الآسيوية بال الجمهور السوري، لأن منتخبه قطع أكثر من ثلاثة أرباع الطريق، وهو في صدارة مجموعته، بعد أن نال المنتخب العلامة الكاملة في المباريات التي خاضها سابقاً مع المدرب فجر إبراهيم، وستشكل هذه النتائج عامل ضغط إضافياً على بدايات المعلول، وإن كانت بالودّيات…
وبناء على ما تقدّم فإن لم يقدّم نبيل معلول أوراق اعتماده (كمطوّر) للأداء فلن يصّفق له الجمهور، بل قد يسمعه ما يؤذي أذنيه!
خصوصية اللاعب السوري
قد يترك اللاعب السوري المنتخب، أو يتقاعس عن أداء دوره فيه لأبسط الأسباب…
عندما ذهب نسور قاسيون إلى الإمارات 2019 كان قسم كبير من الجمهور السوري لا يقبل بأقل من اللقب القاري، فخرج المنتخب السوري من الدور الأول بنقطة التعادل مع فلسطين فقط مقابل خسارتين مع الأردن وأستراليا، وقبل ذلك الاستحقاق بأكثر من شهر، وقصة (شارة الكابتن) تفقد المنتخب تركيزه…
القصة قد تتجدد، ولكن بمفردات بدأ اللعب فيها نبيل معلول، عندما قال في تصريحات صحفية (إن شارة قيادة المنتخب السوري ستكون للاعب الأقدم، وليس للاعب الأكثر تميزاً) وهذا الكلام وصل بشكل مباشر إلى النجم عمر السومة، وفهم أنه لن يكون (الكابتن)، فما كان منه إلا أن أطلق تصريحات هاجم من خلالها المدرب نبيل معلول، حيث قال (إن فكرة المدرب الأجنبي أثبتت فشلها مع المنتخب السوري، وأنه كان من الأفضل الإبقاء على المدرب السوري فجر إبراهيم).
قد تثار القصة من جديد، ولكننا سننتظر دعوة المنتخب السوري، وفيما إذا كان هناك لاعب أكبر سناً من السومة، وكيف سيخرج (المعلول) من تصريحاته، وكيف ستكون نتائجها فيما لو تمسك بها.
الجمهور… المدرب!
نعم قد يفوق العدد مليون مدرباً على صفحات (الفيس بوك)، هذا الكم الكبير لا يكتفى بتسجيل الملاحظات من وجهة نظره، بل إنه يقود حملات تشهير قاسية بكل من يخالفه الرأي، وغالباً ما ينقسم الفضاء الأزرق إلى تيارين: (مع وضد)، والمؤسف أن إدارة المنتخب السوري لم تنجح في السابق بإبعاد لاعبي المنتخب عن مثل هذه الأجواء المتوترة…
الإعلام السوري…
في قسم كبير من الإعلام الرياضي السوري، تُركن مصلحة المنتخب على (الرف) أو في أي زاوية مهجورة، وتتحول (الأقلام) إلى لاعبي سيرك توهمكَ بالبطولة، وهي مربوطة بـ (مصالح شخصية) أو بأحسن الأحوال منحازة إلى لاعب، مدرب، وجهة نظر… إلخ.
أكثر ما سيتعب نبيل معلول في سورية هو الإعلام الرياضي، لأنه إذا اتصل صحفي بأي عضو في الجهاز الفني للمنتخب، ولم يلقَ التجاوب الآني معه، فقد يتحول هذا الصحفي إلى (قائد تيار) ضد الجهاز الفني… نتحدث عن أنفسنا وعن الآخرين، ونستند إلى تجارب اللحظات الحاسمة والتي لم يستطع فيها الإعلام أن يقف حيث يجب، وراح كل منا يغني على ليلاه..
التعامل الذكي مع الإعلام الرياضي السوري سيريح المعلول من عواصف لا يضعها في حسبانه أغلب الظن..
إدارة هاوية..
في أحد معسكرات المنتخب السوري المغلقة في مدينة تشرين الرياضية، وسط العاصمة دمشق، وعند خروج اللاعبين من فندق تشرين باتجاه الملعب لإنجاز تدريبهم الصباحي، فوجئ المدرب آنذاك فجر إبراهيم بأبواب الملعب موصدة، ورغم اتصالهم مع العامل الذي بحوزته المفاتيح لم يأتِ، لأنه كان يوم عطلة (الجمعة)، واضطر قسم من اللاعبين والجهازين الفني والإداري لتسلّق الباب الحديدي، قبل أن (يخلعوه)، ويدخل اللاعبون، إن لم تخني التفاصيل..
تكرار مثل هذه التفاصيل وارد لذات الأسباب أو لأسباب أخرى، ولا نعرف على وجه الدقة ماذا بمقدور الاتحاد الحالي أن يضيف من (تطوير) للجانب الإداري، والذي تلقى في السابق الحصة الأكبر من الاتهامات بالفشل…
باختصار، وقبل أن يبدأ نبيل معلول بإطلاق تصريحات وردية، نتمنى عليه (من أجلنا ومن أجله)، أن يدرس الموقف جيداً، وأن يعرف على أي أرض يقف، وأن يكون شفافاً مع الجمهور السوري، وحينها سيقف هذا الجمهور معه، وسيدعمه بكل ما يملك من تميّز وحرارة.
يشار إلى أن منتخب سورية يتصدر المجموعة الأولى التي تضم إلى جانبه منتخبات الصين والفلبين وغوام وجزر المالديف، وله (15) نقطة من (5) مباريات لعبها…
أحدث تصريحاته

وبعد وصوله إلى دمشق أدلى نبيل معلول بتصريحات قال فيها: (الرحلة كانت طويلة من تونس لتركيا ومنها لبيروت وأخيراً سورية، وفي كل مطار كنّا نخضع لاختبارات كورونا).
وعن المعسكر الأول لمنتخب سورية قال معلول: (المعسكر سيكون بعد نهاية الموسم في سورية، سيتم استدعاء عدد كبير من اللاعبين الذين لفتوا الأنظار في الدوري المحلي، وكذلك سنبقى نراقب اللاعبين المحترفين في الخارج، خاصة أن بطولاتهم ستبدأ قريباً).
وأضاف: الاتحاد الدولي اتخذ قراراً بعدم وجود أيام لـ (الفيفا داي) للمنتخبات الآسيوية والأفريقية، ورغم ذلك سنعمل على خوض مباريات باللاعبين المحليين، وإعطائهم الفرصة، ليكون لدينا أكثر من خيار… كل اللاعبين يجب أن يكونوا بجاهزية، الجميع يجب أن يجند لتحقيق الحلم بالتأهل للمونديال، اللاعب الذي يجتهد ويكون معنا قلباً وقالباً وروحاً سيضمن مقعده، لأننا بحاجة إلى رجال ومقاتلين).
تابعنا
