مسرح الطفل، بوصفه أحد الفنون الذي يحتاج حالة إبداعية مضاعفة وذلك لدوره الكبير والهام في تنمية الوعي والفهم والإدراك عند الطفل وأهميته التربوية والتوعوية وأثره في تكوين شخصيته بشتى الجوانب الاجتماعية والوجدانية والجسدية والذهنية، فهو يساهم في تنمية الطفل فكرياً وسلوكياً لكونه المحيط الثالث الذي يؤثر فيه بشكل مباشر بعد محيطه العائلي والمدرسة بل ربما له الأثر الأقوى، لأن المسرح عالم ساحر يحلّق فيه الأطفال بكل عفوية وتلقائية، ينفّسون عن مواهبهم ومكبوتاتهم سواء أكانوا ممثلين أو متفرجين أو حتى قارئين له حيث يحاكي طفولته بين واقع يعيشه و يراه حقيقة، و بين خيال رسمه بذهنه من خلال برامج تلفزيونية وقصص وغيرها وما يحقق له هذا من متعة و فائدة و تحفيز ….
انطلاقاً من ما سبق
تعدُّ الكتابة المسرحية للأطفال من أعقد فنون الأدب وأكثرها صعوبة ودقة، فهي عملية خلق للطفل و آلية تواصل وتعلم وفهم بين تلقٍّ و استجابة وما يحمل من مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكاتب
وليس غريباً هنا على الكاتبة المبدعة إباء الخطيب أن تدرك تماماً من أين تدخل إلى عقلية الطفل، لنرى أنها اختارت أوسع الأبواب و أكثرها متعة بالنسبة له وهي”خطة الألوان السرية”
هذا النص المسرحي الذي يبدو من عنوانه ممتعاُ ومشوقاً، كيف لا و الأبطال فيه هم “الألوان” هذا العالم الخاص الذي يحلم به الطفل دائماً ..
فضلاً عن ذلك، أهمية المضمون الذي تناولته ضمن حكاية ذات نسيج يمزج بين الواقعية والتعبيرية، باختيارها لموضوع مشوق بطريقة سرد بسيطة بلغتها عميقة بهدفها تجذب كل الفئات العمرية، وهنا تحديداً يكمن ذكاء الكاتبة وخبرتها الإبداعية في انتقاء
فكرة و كتابة أحداث بأسلوب يشدُّ كل الفئات العمرية ….
فبالنسبة للطفل :
سيرى تلك الألوان هي محيطه الصغير، و سيقارن بذهنه بين الخير والشر ضمن دائرته، و سيتعلم أن القوة تكمن في المحبة و تمني الخير للجميع وفي التعاون ضد أي شرّّ يعترض طريق الناس الخيّرة .
إضافة إلى ما يحتويه النص من معلومات مفيدة سيحتفظ بها في ذاكرته، حول الألوان وأهميتها وماذا يمثل كل لون
فالأحمر، هو لون دم الإنسان
أما الأصفر، فهو لون ضوء الشمس
و غيرها من الألوان المذكورة في المسرحية .
كما أنه سيغني مع المقاطع الشعرية المغناة التي أعطت للنص حركة وبهجة و شيئاً من التحدي، حيث أنها تمدُّ الطفل بالنشاط والحركة كي لا يشعر بالملل إطلاقاً………
أما بالنسبة للكبار :
فسيرون في مضمون النص أوطاناً كاملة وشعوباً على اختلاف أطيافها وألوانها وماتمثله تلك الألوان من معنى :
فالأحمر، لون الغضب والحرب
و الأصفر، هو لون الغيرة والحقد والأخضر والأزرق ووو….
كل هذا ضمن قالب درامي وأحداث مؤثرة ضمن مكان محدد يتبع لكل مكان، و زمان غير محدد ليشمل كل زمان .
بدأت إباء نصها بحالة من البهجة والفرح والاحتفال، ليتصاعد الحدث شيئاً فشيئاً حتى يبلغ ذروته في “الفتنة” التي قامت بها شخصية “وهج الشمس” فنرى كيف دسّت سمّها وأشعلت نيران الحرب والخلاف بين تلك الألوان في حبكة دقيقة ومدروسة .
حيث بدأ الصراع هنا بين الخير والشر الذي استطاعت الكاتبة بكل حرفية إيجاد الحل لتلك العقدة، فأخذتنا بكل سلاسة معها في رحلة ممتعة إلى عالم الألوان، مستغلة بمهارتها دلالة كل لون، فاختارت مثلاً اللونين الأسود والبني ليقوما بشخصية “كبار الحكماء” الذين كان لهم الفضل الكبير في الكشف عن تلك الفتنة التي أوقعت بين أفرادهم الألوان ، فينقلب بذلك السحر على الساحر وينتصر الخير في نهاية الأمر .
لكن هذا الانتصار كان بشرط دقيق ومفصليّ، وهنا سعت الكاتبة لوضع بصمتها الخاصة والمميزة في إيصال الحكمة المعروفة التي تقول “إن في الاتحاد قوة” على طريقتها، فاستخدمت بحرفية المبدعة رمزية اللون الأبيض الذي ينتج عن اتحاد الألوان وتمسكهم ببعضهم البعض وذلك بدمج عبقري بين “الخيال” الذي نعيشه مع شخصيات المسرحية و “العلم” من خلال تجربة علمية قامت بتوظيفها لتكون المخلِّص الوحيد للعقدة في النص، فتأخذنا من خلال ذلك الدمج إلى حلٍّ أبديٍّ للتخلص من شرِّ شخصية “وهج الشمس” ، و تجعلنا نقوم بإسقاط ذلك الحلِّ على واقعنا الذي نعيشه في مواجهة كل فتنة و حرب يمكن أن تطالنا .