الكاتب السوري- نجيب كيالي:
يرى أريك فرُوم الفيلسوف الألماني في كتابه: فن الحب(١) أنَّ هذه الكلمة المؤلفة من حرفين أمرٌ صعب التحقق للغاية، سواءٌ كان بين الرجال والنساء أو بين أي أطراف أخرى، لأنَّ تحققه يحتاج إلى منبت خصب يلائمه، وهذا المنبت له مواصفات، منها: نضج عام، مجتمع يؤمن بالقيم ومحبة الجار ويلتزم بالنظام، والأهم أن العابر بهذه التجربة ينبغي أن يكون ذا شخصية واعية متطورة متمتعة بالفهم وبُعد النظر.. أي أن فروم يجعل للحب أساساً عقلياً على عكس ما استقرَّ في أفهام كثيرين بأنه تركيبة عاطفية لا غير.
ويرى فروم أن من لا يعرف شيئاً يقوده عمى المعرفة إلى عمى الحب، أما مَنْ يعرف فيحب ويلاحظ، وتشرب محبتُه من مياه إدراكه.
في الحقيقة هذا توصيفٌ رائع وعميق، والربط بين الحب والعقل صائب تماماً، لأن الحب مسألة تتعلق بالبشر ذوي الإدراك، ولا نجدها عند الكائنات الأخرى كالنباتات والجمادات والحيوانات، عند الحيوان ربما نجد شيئاً يمكن وصفه بالعطف الغريزي، لكنني أقول: لعلنا نستطيع أن نصنف الحب إلى مستويين، فهناك الحب المؤسس على العاطفة النقية البريئة، وهناك الحب الذي يجمع العقل مع العاطفة، ولا شك أنه أرقى وأسمى.
لماذا ذكرتُ النوع الأول؟ لأن الكثيرَ.. الكثير من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجَدَّاتنا كانت حظوظهم من العقل والثقافة محدودةً ترتبط بالتثقيف الشفهي والكتاتيب، ومع ذلك كانت شرايينهم مملوءةً بالحب وعطاياه، والكثيرَ.. الكثير من العشاق والعاشقات أيام زمان لم يكونوا ولم يَكُنَّ على درجة عالية من البهاء العقلي والتحصيل المعرفي، ومما يؤسف له أن زماننا الذي انتشر فيه التعليم قلَّت فيه المشاعر، وبات الحب زائراً غريباً أو شبه غريب! طبعاً.. لا يرتبط ذلك بانتشار التعليم، وإنما بطغيان النفعية أو الروح البرغماتية التي تسللت من نوافذ البيت العربي قادمةً من المجتمعات الرأسمالية متجهةً إلى شبانه وشاباته، ففعلتْ فعلَها السيءَ في القلوب والأرواح، فأصبحنا بحاجة إلى الإمساك بالمناديل كلَّ صباح لمسح زجاجنا الداخلي كما نمسح زجاجَ نظاراتنا، ولكنْ.. من تُراه يفعل ذلك؟
(١) الكتاب صادر عن دار العودة في بيروت عام ٢٠٠٠- ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد.