الشاعر السعودي- جاسم الصحيح:
منذُ (رابطتُ) بأقلامي
على (ثغرِ) الحياةْ
وأنا أدخلُ
في خندقيَ المحفورِ ما بين الدفاترْ
وأخوضُ الحربَ.. حربَ الكلماتْ
في جهاتِ الأرضِ
ما يكفي من القتلى
لأحتجَّ على كلِّ الجهاتْ!
ناصبًا
مدفعيَ العملاقَ في أعلى المحابرْ
خارجًا بالشعرِ
من ذاكرةِ الأصواتِ
إذْ نصـرخُ فيما بيننا دون حناجرْ
حَالِـمًا كالحُبِّ
لا أسمعُ مَنْ يقرأُ لي (نشرةَ أخبارِ المقابرْ)
واثقًا كالماءِ..
قالَ الماءُ:
لو أنَّ السَّرابْ
كانَ يومًا واثقًا من نَفسِهِ
صارَ شرابْ!
***
كُنْ رفيقي أيُّها الشعرُ
فما أوحشَ أنْ يستوحدَ الجنديُّ
مَنْسِيًّا بإحدى الجَبَهَاتْ!
كنْ رفيقي
فضميرُ الحربِ غادرْ
ربَّما في ليلةٍ تقسو الدياجرْ
كُنْ لِـيَ الزيتَ الذي يطفو على الليلِ
إذا أشعلتُ قنديلي بوجهِ الحَشَرَاتْ
كُنْ رفيقي
كلَّما حاصرَني الأعداءُ من كلِّ (المـَحَاوِرْ)
جِدْ لـــــرُوحي ثغرةً
عبرَ صفوفِ اليأسِ في عَتْمِ المـَغَاوِرْ
كُنْ أنا
كُنْ أَوَّلَ الأَوَّلِ في (الثغرِ)
وكُنْ آخِرَ آخِرْ
وإذا خَاتَلَنا الموتُ
وألفيناهُ من مصرعِنا قابَ رصاصْ
لا تُفَتِّشْ عن مَمَرَّاتِ الخَلَاصْ
وتَسَلَّحْ بالذي (عَسْكَرْتَ)
من أحلامِكَ الكبرى
وما وَحَّدتَ فيها من مصائرْ
وتَقَدَّمْ
يا ضميرَ الأرضِ
مسنودًا بآلافِ الضمائرْ
كيف يرتدُّ على عَقْبَيْهِ
مَنْ تَسْنُدُهُ هذي العساكرْ؟!
***
فاصلٌ ما بين قَصْفَيْنِ
فدَعْنَا يا رفيقي نَتَهَيَّأْ للصلاةْ
كُنْ إمامي أيُّها الشعرُ
فهذا (الثغرُ) محرابُ التُّقاةْ
وتَقَدَّمْ
إنَّنا ندخلُ في صومعةِ الذِّكرِ حُفاةْ!
في القوافي
تتجلَّى المعجزاتْ:
ربَّما يولدُ من غيرِ أبٍ ألفُ (مسيحْ)
ربَّما نقتطفُ النسمةَ
من عاصفةٍ في حقلِ ريحْ
فتَقَدَّمْ
هَمَسَاتٍ هَمَسَاتْ
أقدسُ الأذكارِ في المعبدِ
لا تُقرَأُ إلا تمتماتْ!
لا أريدُ الحرفَ
كالثعبانِ في قُبَّعَةِ المعنى
ولا لعبةَ ساحرْ
لا أريدُ الحرفَ
أن ينمو على قارعةِ الخندقِ
بستانَ أزاهرْ
لا أريدُ الحرفَ إلا أنْ يُغَامِرْ
واختصرْني أيُّها الشعرُ
ففي أقدامِ (إسماعيلَ) ما يكفي
لأنْ يُلهِمَنا قِصَّةَ (هاجرْ)
لِي يقينٌ كيقينِ الفجرِ لا ينفكُّ ظاهرْ:
إنَّ مَنْ آمَنَ بالليل وباع الشمسَ كافرْ!
***
لِـيَ إيمانيَ في الحُبِّ ولِيْ أوفَى حبيبةْ
كلَّما أَفرَغَني (الرَّمْيُ)
وغادرتُ مكاني في (الكتبيةْ)
جئتُها أحملُ ما أحملُ
من فلسفة الحربِ
وأسرارِ جراحي في الحقيبةْ
أَخَذَتْنِي من يَدِ الغُربَةِ أَخْذَ الأُمَّهاتْ
عانَقَتْنِي:
عَبَّأَتْنِي بالثباتْ
قَبَّلَتْنِي:
ملأتْ ترسانةَ القلبِ
بما ينقصُني
من مُؤَنٍ شَتَّى وأصنافِ الذخائرْ
وأعادتني
إلى الخندقِ مصقولَ المشاعرْ
***
ها أنا ثانيةً أدخلُ في حربِ السَّلامْ
وعلى ميمنتي روحُ الموسيقا
وعلى ميسرتي روحُ الكلامْ
وأنا بينهما
أُفْرِجُ عن ضِلعَينِ فيما بين أضلاعي
لكي أطلقَ أسرابَ الحَمَامْ
غيرَ أنِّي
منذُ أنْ قامتْ قياماتي
على شطِّ الدواةْ
لم أزلْ أفتحُ ما أغلقتُ من صدري
لوسواسِ الرياحِ العاصفاتْ
خائفًا في عِزِّ هذي الحربِ
أنْ تنفدَ من رأسي الذخيرَةْ
خائفًا أنْ تعثرَ الفكرةُ
أنْ ينهزمَ المعنى
وأنْ تسقطَ منِّي طلقةُ الوعيِ الأخيرَةْ
ثُمَّ أرتدُّ
بما أَبْقَتْهُ من سَاقَيَّ أنيابُ الخنادقْ
حاملًا من كبرياءِ النفسِ
ما يشبهُ أشكالَ البنادقْ
يا رفيقي
فإذا أَلْفَيْتَني أجمعُ نفسي وأغادرْ
صَوِّبِ الشمسَ إلى رأسي
وقُلْ: ثَمَّةَ شاعرْ
حينما خانَ الحياةْ
ضَرَبَتْهُ الشمسُ في الرأسِ فماااااااااااااتْ!
***