كشف سعادة منصور عبدالله بالهول، سفير الدولة لدى المملكة المتحدة، في مقال نشرته “تلغراف” البريطانية، أنه ولعقود مضت، سيطرت ثلة من القوى الكبرى على مهام الاستكشاف الفضائية، لتعمد 4 دول فقط لإرسال مركباتها الفضائية لكوكب المريخ. بيد أن الأمور قد قُدر لها بأن تتغير مساء يوم غد الثلاثاء، حينما ينطلق صاروخ يحمل مسباراً متطورًا ومستقلًا للغاية لبدء رحلة تستغرق مدة أشهر وصولاً إلى الكوكب الأحمر.
ومن المفترض أن تدرس المركبة (مسبار الأمل)، لأول مرة، الغلاف الجوي العلوي والسفلي لكوكب المريخ، بصورة كلية.
وسيجاوب المسبار على أسئلة علمية رئيسية تتعلق بأنماط الطقس، ديناميكيات الغلاف الجوي، والغموض الذي يحيط بأسباب تحول وتبدد جزء كبير من الغلاف الجوي لكوكب المريخ في الفضاء، الذي كان سميكًا في وقتٍ مضى.
كما يعد مسبار الأمل ليس إنجازاً يقترن بوكالة الفضاء الأوروبية أو “ناسا” أو حتى إدارة الفضاء الوطنية الصينية، بل تم تصميه وتشييده من قبل فريق من دولة الإمارات العربية المتحدة. إن الأشخاص الذين يقفون وراء أول مهمة بين الكواكب في العالم العربي هم مجموعة رائعة من العلماء والمهندسين الإماراتيين.
ويتم ذلك بالتنسيق مع الشركاء العلميين في جميع أنحاء العالم، أسهمت تلك المجموعة الشابة (غالبية أعمارهم دون سن الـ35) في تقديم “الأمل” في 6 سنوات وحسب، ما يعادل تقريبا نصف الوقت المعتاد للبعثات بين الكواكب.
وفي السياق ذاته، تعد التحديات التقنية للوصول لكوكب المريخ أصعب بكثير من التحديات التي تتشكل عند وضع قمر اصطناعي في مدار الأرض. لقد فشل حوالي 50% من إجمالي مهام المريخ التي تم إطلاقها، وأي تأرجح أو تذبذب واحد بسيط كفيل بأن يؤدي لوقوع كارثة.
كما أصبح عمل الفريق، خلال الأشهر الأخيرة، أكثر صعوبة بسبب تدابير التباعد الاجتماعي التي فرضت بسبب جائحة “كوفيد-19” وذلك في كل من دولة الإمارات واليابان التي ينطلق منها مسبار الأمل. وبرغم ذلك، فقد تم تجهيز المسبار من أجل الاستعداد لنافذة الإطلاق الضيقة بين مدارات الكواكب.
كما تعتبر مهمة الإمارات للمريخ ليست سوى البداية، دولة الإمارات بصدد بناء صناعة تكنولوجيا فائقة محلياً من شأنها إرسال بعثات تجارية وعلمية إلى الفضاء. وبحلول عام 2117، نطمح لإنشاء مستوطنة بشرية على كوكب المريخ.
ويمكن أن يظهر الأمر خياليًا لدولة يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، لكن الوصول للنجوم أمر حاسم بالنسبة إلى إستراتيجية التنمية الوطنية لدولة الإمارات. دون ذلك، لن يكون بمقدورنا طرح الآمال في بناء اقتصاد معرفي مزدهر ما بعد النفط، يسهم في توفير الفرص لجميع شبابنا.
وفي سياق متصل، إننا معروفون بالفعل في مجالات التمويل والسياحة والتجارة كما هو الحال بالنسبة لإنتاج النفط. لكننا وبقدر متساوٍ نريد أن نكون فاعلين في مجال صناعات المستقبل، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والصناعات المتقدمة، وبرنامج الفضاء يمنحنا القاعدة العلمية والتكنولوجية التي نحتاجها، بالفعل، لقد تغيرت مفاهيم وتصورات اختيار المهن في قطاع العلوم، إذ تضاعف حجم الإقبال على أقسام الفيزياء بالجامعات لتلبية الطلب المتزايد من الطلاب، فضلاً عن استحداث مناهج دراسية جديدة تماماً، كما شهدنا على انتقال أعداد قياسية من الطلاب للحصول على شهادات علمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
كما يتجاوز مشروع استكشاف المريخ دولة الإمارات، حيث من المقرر أن يستفيد العلماء في جميع أنحاء العالم من بيانات مسبار الأمل التي سيتم نشرها على أساس إتاحة الاطلاع عليها من قبل مجتمع الأبحاث العالمي.كما سيساعد على إشعال بريق انتعاش العلوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
والجدير بالذكر، كان العالم العربي في أزمان سابقة مركزًا للمعرفة، وأصبح مرادفاً للتطرف والصراعات بدلا من التسامح والتقدم العلمي. لذلك يستحق 100 مليون شاب عربي يعيش في المنطقة الأفضل دوماً، وكما يوحي الاسم فإن مسبار المريخ يهدف لمنحهم وبثهم بـ “الأمل”.