دخلت الكمامة على خطّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في جوّ مشحون أساساً بالخطاب الديني المتطرّف، خصوصاً بين مناصري الرئيس دونالد ترامب. ولسبب ما، تحوّلت قواعد الوقاية من كوفيد – 19 إلى شأن يحرّك مشاعر عدد من المتدينين.
التهمة الموجّهة للكمامة بحسب بعض المتطرفين المسيحيين في الولايات المتحدة: أنّها تشوّه خلق الله الذي جعل الإنسان على صورته ومثاله. وبالتالي فإنّ إخفاء جزء من الوجه بشكل قهري، هو اعتداء على جمال صنعة الخالق.
وفي مقالة بعنوان “لماذا باتت الكمامات قضيّة دينية” نُشرت على موقع “ذا كونفرسايشن”، تكتب أستاذة الدراسات الدينية في “جامعة أفيلا” الكاثوليكية في كنساس، ليسلي دورو سميث، أنّ مناهضي الكمامة في بلادها، يجدون في فرضها اعتداءً على حقوقهم الدينية. وتورد أمثلة عن رجال دين ومبشرين، يروّجون لرفض الكمامة، عبر حساباتهم على مواقع التواصل.
أحدهم، ويدعى القسيس غريغ لوكي، نشر في نهاية يوليو الماضي تسجيلاً عبر صفحته، نال أكثر من 14 مليون مشاهدة، وصف فيه الكمامات بأنّها “أضحوكة”.
رجل الدين الداعم لترامب، وصف فرض الكمامة “بالإجراء النازي”، ومن يلتزمون به بالـ”الأغنام”، معتبراً أنّ قواعد الوقاية الصحيّة تسبّبت بـ”شرذمة جسد الرب يسوع”. وقال القسيس إنّ الإجراءات المشدّدة تشبه الأنظمة الشيوعية والقمعيّة، كما في الصين وكوريا الشمالية، ولا تمّت للقيم الأمريكية بصلة على حدّ تعبيره.
قبل أشهر، انتشرت مقتطفات من تسجيلات لمواطنين أمريكيين خلال جلسة استماع حول إجراءات الوقاية في ولاية فلوريدا، قالوا فيها إنّ الكمامات أشبه بعبادة الشيطان، وأنّها تسبّب الموت والبيدوفيليا. يومها، أثار الشريط الضحك، كأنّه فقرة كوميدية عابرة. ولكن مع تطوّر انتشار الوباء في الولايات المتحدة، بات لليمين المسيحي رأي أكثر تشدّداً حول الموضوع، وباتوا يستخدمونه كحجّة سياسية.
وفي مايو الماضي، أعلن ممثل ولاية أوهايو عن الحزب الجمهوري، نينو فيتال، أنه لن يلتزم بالكمامة، لأنّها “إهانة لله”، وضرب لثقافة الولايات المتحدة اليهودية – المسيحية.
وفي وقت تستعمل الحجج الدينية كجزء من الحملات الانتخابية الممهّدة للسباق الرئاسي الأمريكي في نوفمبر المقبل، أظهرت دراسة أنّ رفض الكمامات يرتفع في أوساط المواطنين المحافظين، خصوصاً المقتنعين بأنّ الولايات المتحدة أمّة مختارة من الله.
وبحسب ليسلي دورو سميث، فإنّ استخدام الحجّة الدينية لدعم موقف مناهضي الكمامة، يهدف إلى تضخيم صوت أصحاب هذا الرأي، إذ أنّ المسائل الصحيّة لطالما شغلت الجماعات الدينية في الولايات المتحدة، بدءاً من اللقاحات، مروراً بتطهير الذكور، وصولاً إلى الإجهاض، والاستشفاء بالصلاة.
وبرأيها، فإنّ الكمامات باتت شأناً دينياً، فقط لأن البعض أراد لها أن تكون كذلك. لكنّ الخوف من المرض يطغى على الخطاب العام، وبالتالي لن يتمكن مناهضو الكمامة من تقديم حجتهم بشكل مقنع أو عقلاني.
ويبدو أنّ هذه الظاهرة ذات خصوصية أمريكية، في سياق سياسيّ مشحون، يؤجج المشاعر الدينية حول أي قضيّة. بالنسبة لبعض الأمريكيين، فإنّ فرض الكمامة شكل من أشكال الرقابة على حركتهم، والحدّ من حريّتهم، يضاف إلى ذلك عدم قناعة البعض بوجود وباء كورونا، أو اعتقادهم أنّه مؤامرة صينية.
يقول الكاتب والمحرّر العلمي أحمد جمال سعد الدين من مصر، إنّ الفرضيات الدينية حول ارتداء الكمامة ليست سائدة في العالم العربي، كما هو الحال في الولايات المتحدة. ويشير إلى مثال بتنا نصادفه جميعاً في يومياتنا، وهو سائق سيارة الأجرة الذي يسخر من صاحب الكمامة، ويسأل: “انت خايف ولا ايه؟”. “لاحظتُ أكثر من مرّة سائقاً يسخر منّي، لأنّ ارتدائي الكمامة يعني أنّي خائف من الإصابة، وهذا بحدّ ذاته مدعاة للتندّر، وغير مقبول اجتماعياً”.
وفي رأي البعض، الكمامة دليل جبن، أو وسواس غير مبرّر على الصحّة. وفي رأي البعض الآخر، هي مبالغة في الوقاية، لأنّ كورونا يشبه الزكام العادي. وفي رأي آخرين، كورونا لا أساس له من الصحّة، لأنّهم لم يلتقوا حتى الآن بأيّ مصاب، وبالتالي القصّة كلّها حرب إعلاميّة نفسيّة، وأخبار كاذبة.
ويرى سعد الدين، أنّه بعيداً عن الحكم الأخلاقي على الأشخاص المقتنعين بنظرية المؤامرة، فإنّ ردّة فعلهم غريزية ومتوقعة. “لا يريد البعض أن يتخيّل أنّ هناك مرضاً حقيقياً، وخطراً حقيقياً ومباشراً على حياته، لذلك يبحث عن وسيلة لتجاهل كلّ ذلك، وهذه وسيلة إنكار نفسية يستخدمها العقل البشري غالباً في المواقف الصعبة، وكلّ الناس تلجأ لها, فعوضاً عن أخذ احتياطاتي، سأنكر وجود مرض بالأساس”.
ويقول الكاتب المصري، إنّ خطر نظرية المؤامرة يكمن في أنّها “ليست فكرة منفردة، بل سردية كاملة، وهناك دوماً أمراً أكبر منّي يحدث في العالم، وهناك دوماً خدعة تنطلي على الناس جميعاً، بينما أنا الذكي والقادر على فهم الأمور الغامضة”.
كما يرى أنّ اليمين المتطرّف في الولايات المتحدّة، يستند في حجته ضدّ الكمامة على منطق غبي، ولكنه متماسك، “ولكن في منطقتنا لا أعتقد أنّ الأفكار حول الفردية والحقّ بتغطية الوجه أو عدمه، متداولة كثيراً، أو مستخدمة في النقاش. في كلّ الأحوال، لا يمكن الجزم إن كنا كعرب ملتزمين أكثر من غيرنا أو لا، فلا إحصاءات أو دراسات رسمية يمكن أن تثبت هذه الفرضيّة”.